كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورويا عنه أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلم قال أسلم سالمها اللّه، وغفار غفر اللّه لها.
ورويا عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار مواليّ، ليس لهم مولى دون اللّه ورسوله.
وإنما مدح هؤلاء حضرة الرّسول لكمال يقينهم وحسن نيتهم وصدق عقيدتهم وأدائهم زكاة أموالهم طيبة بها أنفسهم.
قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ} فسلكوا سبيلهم بالإيمان واقتفوا آثارهم بالأعمال الصّالحة إلى يوم قيامتهم على هذا الشّرط الذي شرطه اللّه عليهم، فهؤلاء {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} بحسن نيّاتهم وبما أنعم اللّه عليهم من خيره الفيّاض {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا ذلِكَ} الفضل الذي منحهم اللّه إياه هو {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [100] من الرّب العظيم والفلاح الجسيم والنّجاح الذي ما بعده نجاح، وهؤلاء هم الّذين صلّوا إلى القبلتين وأهل بدر وأهل بيعة الرّضوان، ويدخل في عموم الآية جميع الأصحاب نسبيّا، وتشمل من حذا حذوهم أيضا، أما من لم يتبعهم بإحسان ولم يقتف آثارهم فليس منهم، ولا ينال ما نالوه، ولا يدخل في عدادهم، والنّاس بعدهم مراتب.
واعلم أن أول من آمن به صلّى اللّه عليه وسلم من النّساء خديجة الكبرى رضي اللّه عنها، ومن الصّبيان علي كرم اللّه وجهه ورضي عنه، ومن الرّجال أبو بكر رضي اللّه عنه وأرضاه، ومن الأرقاء بلال وزيد بن حارثة رضي اللّه عنهما، والّذين أسلموا بواسطة أبي بكر أولهم عثمان بن عفان فالزبير بن العوام فعبد الرّحمن بن عوف فسعد بن أبي وقاص فطلحة بن عبد اللّه، فهؤلاء العشرة هم أسبق النّاس إيمانا من المهاجرين، والسابقون من الأنصار سعد بن زرارة وعوف ابن مالك ورافع بن مالك بن العجلان وقطينة بن عامر وجابر بن عبد اللّه بن ذياب، وهؤلاء الّذين بايعوا حضرة الرّسول ليلة العقبة الأولى، والبراء بن معرور، وعبد اللّه ابن عمرو بن حزام أبي جابر، وسعد بن عبادة، وسعد بن الرّبيع، وعبد اللّه ابن رواحة، ورفقاءهم، وهم سبعون رجلا الّذين بايعوا حضرة الرّسول عند العقبة الثانية، راجع [الآية 103] من سورة آل عمران تجد هذا هناك، وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم أيضا.
وأول من آمن على يد مصعب بن عمير من أهل المدينة قبل الهجرة قد ذكرناهم هناك أيضا.
وإنما خص اللّه السّابقين الأولين في هذه الآية بهذه المزية العظيمة لأن الهجرة أمر شاق على النّفس لما فيها من مفارقة الوطن والأهل، والنّصرة منقبة شريفة ورتبة عالية، وقد امتاز الأنصار المذكورون على غيرهم بإبواء حضرة الرّسول وأصحابه ومواساتهم لهم بالمال والسّكن، حتى ان بعضهم ترك بعض زوجاته لبعضهم، وهؤلاء الأكارم حازوا خير الدّنيا والآخرة.
ويعلم من تقديم المهاجرين في كلام اللّه أنهم أفضل من الأنصار، لأن الهجرة أشق على النّفس من أشياء كثيرة، والأنصار هم أهل المدينة، ولقبوا بهذه الصّفة قبل غيرهم، وصار علم شرف لهم لنصرتهم حضرة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم.
روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: خير النّاس قرني ثم يلونهم، ثم الّذين يلونهم.
قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة.
والأخيريّة النّسبية موجودة حتى الآن وما بعدئذ بدلالة قوله صلّى اللّه عليه وسلم لا يأتي يوم إلا والذي بعده شرّ منه، وما يقع من الأخيريّة فهو من تنفسات الزمان.
ورويا عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه.
والقرن من مئة إلى مئة وعشرين سنة، وهو مستوى عمر الإنسان لو عاش سالما من تخم الأكل المهلكة وتحفظ من الحر والقر المدمّرين للانسان، ومن الجوع المفرط وما يعتريه بسبب هذه الأشياء من الأمراض، وما يفضي إليه من ترد وهدم وغرق وحرق وقتل وشبهها، وقد قدر اللّه تعالى هذا لعمر الإنسان، لأن الحيوان بعيش في الغالب سبعة أمثال مدة بلوغه، وأكثر، وأقل، بحسب ما هو مقدر عند اللّه من الأجل المبرم والمعلق، وزمن بلوغ الإنسان على القول الوسط خمس عشرة سنة، فتكون مع سبعة أمثالها مئة وعشرين، وهو معنى القرن، وكثيرا ما يقضون قبل ذلك بما يقدره اللّه عليهم من تلك العوارض، وكثيرا ما يعيشون أكثر، وقد عاش شيخنا الشّيخ حسين الأزهري مفتي الفرات سابفا مئة وسبعا وعشرين سنة مستجمعا كمال حواسه العشرة، ولم يعتره شيء من أمارات الهرم، رحمه اللّه، وبلّغنا ما بلغه، وجعل لنا لسان صدق مثله.
ثم قسم اللّه المنافقين ثلاثة أقسام ذكر الأوّل بقوله عز قوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ} المحيطين بالمدينة {مُنافِقُونَ} يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر وهم من مزينة وجهينة وأسجع وغفار وأسلم أي القليل منهم، بدليل لفظ من التبعيضية، والكثير منهم ممدوحون كما مر في الحديث السّابق عقب الآية [99] المارة الدّالة على مدحهم، وفي هذا القسم المذموم الممقوت المذكورون في قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} منافقون {مَرَدُوا} تمرنوا واعتادوا {عَلَى النِّفاقِ} وهم من الأوس والخزرج، وأنت يا سيد المرسلين {لا تَعْلَمُهُمْ} لأنهم يظهرون لك الإيمان والإخلاص والصّدق والطّاعة والحمية ولكن {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} لأنا مطلعين على ما تكنّه صدورهم من الكفر والغش والبغض والكذب والعصيان ولهذا فإنا {سَنُعَذِّبُهُمْ} على تزويرهم هذا، وخداعهم لك {مَرَّتَيْنِ} الفضيحة والخزي والهوان والعار والشّتار في الدّنيا، والعذاب الدّائم المقيم مدة البرزخ في القبر وكلا هذين العذابين في الدّنيا، لأن مدة البرزخ من أيامها، وعلى هذا عامة المفسرين يؤيده قوله تعالى: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ} [101] في الآخرة لأنها محل ردّ كل الخلق فإنه مكان مكافآتهم ومجازاتهم، وهذه الآية من الآيات الصّريحة الدّالة على عذاب القبر.
واعلم أن هذه الآية تشير إلى أن حضرة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأن كلّ ما يخبر به هو من تعليم اللّه إياه وإخباره له بواسطة أمينه جبريل عليه السّلام.
قال الكلبي قام النبي صلّى اللّه عليه وسلم خطيبا يوم جمعة فقال: أخرج يا فلان فإنك منافق، فأخرج أناسا من المسجد وفضحهم ولم يك عمر شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له، فلقيهم وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء، لأنه لم يشهد الجمعة، وظن أن النّاس قد انصرفوا واختبأوا هم منه أيضا، إذ ظنوا أنه قد علم بأمرهم خجلا من أن يراهم، فدخل المسجد فإذا بالناس لم ينصرفوا، فقال له رجل أبشر يا عمر فإن اللّه قد فضح المنافقين اليوم- أخرجه ابن أبي هاشم والطّبراني في الأوسط عن ابن عباس- وفي رواية ابن مردوية عن أبي مسعود الأنصاري أنه صلّى اللّه عليه وسلم أقام في ذلك اليوم وهو على المنبر ستة وثلاثين رجلا، ثم بين القسم الثاني بقوله: {وَآخَرُونَ} من مسلمي المدينة الّذين تخلفوا عن الرّسول بشائبة النفاق، فلم يخرجوا معه إلى تبوك {اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} أمام حضرة الرّسول عند رجوعه وأظهروا له النّدم والأسف على ما وقع منهم، ولم يتقدموا بمعاذير واهية مختلفة كالأولين، فهؤلاء بفعلهم هذا وبيانهم الواقع طوعا منهم يعدّون قد {خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا} وهو خروجهم مع حضرة الرّسول في الغزوات السّابقة وصدقهم فيها وندمهم على عدم ذهابهم مع الرّسول في هذه الغزوة ندامة حقيقة {وَآخَرَ سَيِّئًا} وهو تخلفهم عنه في هذه الغزوة وموافقتهم المنافقين على عدم الخروج معه قبلا، وهؤلاء لم يكن اللّه ليضيع أعمالهم السّابقة الصّادقة، ولذلك قال جل قوله: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} لسابق فعلهم الحسن وتحسين نيتهم والتمني من اللّه تعالى للتحقيق، لأن اعترافهم برضاهم دليل على صدق نيتهم.
وتشير هذه الآية على قبولهم، ولذلك لم يذكر اللّه ما يدل على عقابهم.
روى الطبري عن ابن عثمان قال: ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية، وذلك لأن ظاهرها يفيد أن مجرد عمل صالح وجد من الإنسان مع أعمال سيئة يرجى له الخير، وقد لا يخلو مسلم من عمل خير مهما كان شريرا والحمد للّه، راجع الآية 6 من سورة الرّعد المارة وما ترشدك إليه من المواضع ترشد لما تريد، واعلم أن الخلط هنا عبارة عن الجمع المطلق كاختلاط النّاس والأواني وغيرها بعضها ببعض، والواو هنا نائبة عن مع، إذ بقي كلّ عمل صالح على حاله، فالطاعة تبقى على حالها موجبة للثواب، والمعصية تبقى على حالهما مفضية للعقاب، والقول بالإحباط باطل، وهذا على خلاف قولك خلطت الماء بالعسل لا متزاجهما واندماج كلّ منهما بالآخر، فلم يبق العسل عسلا ولا الماء ماء، ومن قال بالإحباط أراد هذا المعنى الأخير تأمل.
ومما يدل على قبول التوبة وعدم الإحباط ختم الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [102] لأن تصديرها بحرف التأكيد دليل على انه ينجز الوعد لهم يسائق مغفرته ورحمته، ومن دلائل قبول التوبة أيضا قوله تعالى خطابا لسيد المخاطبين: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ} أي المعترفين المذكورين {صَدَقَةً} تكون كفارة لما صدر منهم {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} من أدران خطاياهم {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} ادع بالتجاوز عما اقترفوه وإزالة الصّدأ من قلوبهم بالكلية {إِنَّ صَلاتَكَ} يا حبيبي لو يعلمون {سَكَنٌ لَهُمْ} وأمن وطمأنينة لأفئدتهم بقبول توبتهم {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [103] بنيتهم وإخلاصهم في قولهم وفعلهم ونزلت هذه الآية بعد قبول توبتهم وبعد أن تصدقوا بمالهم فرحا بقبول توبتهم وهي عند اللّه كذلك قبل ذلك فلا يخطر ببالك غيره ولا يتصوره إلّا زنديق أو منافق، لأن اللّه ورسوله غنيّان عن أموال النّاس لاسيما أن الصّدقة لا تحل لحضرة الرّسول، وإنما يأخذها ليعطيها مستحقيها، وإنما حمى اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلم من أخذ الصّدقة لنفسه وحرمها على أقاربه أيضا وإن كانوا فقراء، لئلا يظن به أحد في أخذها ظنا يسيء السّمعة، لاسيما أن النّفس سريعة الظّن بالسوء بطيئة بالحسن، روي عن عبد اللّه بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشّجرة قال كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال اللّهم صلّ عليهم فأتاه أبي بصدقة فقال اللّهم صل على آل أبي أوفى- أخرجاه في الصّحيحين- والدّليل الثالث على قبول توبتهم قوله جل قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا} هؤلاء النّادمون المعترفون بخطائهم {أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ} المعطاة كفارة للذنوب التي تيب عليها وغيرها الصّادرة عن طيب نفس والأخذ منه تعالى يكون بواسطة رسوله دليل القبول {أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [104] نزلت هاتان الآيتان في جماعة من المسلمين الّذين تخلفوا عن غزوة تبوك وهو أوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام وأبو لبابة بن عبد النّور وغيرهم، وهم دون العشرة وأكثر من الخمسة، وقد قال بعضهم لبعض أنكون من الضّلال ومع النّساء ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأصحابه في الجهاد واللّأواء (أي الشّدة)، فلما قرب مجيء الرّسول إلى المدينة أرثفوا أنفسهم في سواري المسجد وقالوا واللّه لبقين حتى يطلقنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فلما مر بهم قال من هؤلاء؟ قالوا الّذين تخلفوا عنك عاهدوا اللّه أن لا يطلقوا أنفسهم حتى ترضى عنهم، قال وأنا أقسم أن لا أطلقهم حتى أومر، فأنزل اللّه الآية الأولى فأطلقهم، فقالوا يا رسول اللّه هذه أموالنا التي خلّفتنا عنك وتصرف بها واستغفر لنا، قال ما أمرت أن آخذ منها شيئا، فأنزل اللّه الآية الثانية، فأخذ ثلثها وتصدق به كفارة لذنوبهم.
وهذا مما يؤيد أن المراد في هذه الآية غير الزكاة الواجبة التي قال بها بعض المفسرين لأن تلك لها قدر معلوم، ولأن الزكاة فرضت في السّنة الثانية من الهجرة في شوال أو شعبان على اختلاف في الرّواية، وهذه الآية نزلت مع سورتها في السّنة التاسعة من الهجرة، أي بعد فرض الزكاة بسبع سنين، ولم يقل أحد بتقديم نزول هذه الآية على سورتها لأن نزولها دفعة واحدة مجمع عليه كما أشرنا إليه آنفا، وما قاله بعض الفقهاء، الأصل فيها أي الزكاة قبل الإجماع قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ} الآية، وقوله تعالى: {وَآتَوُا الزَّكاةَ} وهذه الجملة مكررة كثيرا في القرآن المكي والمدني، وقوله صلّى اللّه عليه وسلم بني الإسلام على خمس.
فيه تسامح بذكر هذه الآية فقط، لأن السّياق والسّياق ينافيه، ويأباه تخالف انتظام الآيات وتناسبها وأسباب نزولها، والحق الاقتصار على الآية الثانية والحديث لاحتمال وقوعها في السّنة الثانية، وقد ذكرنا في [الآية 261 و265] من سورة البقرة المارة الدّالة على فرض الزكاة بعموم أنواعها صراحة فراجعها، وراجع الآيتين 97 و98 قبلها أيضا ليطمئن قلبك ويتبقن صحة ما ذكرناه لك، واللّه أعلم.
قال تعالى: {وَقُلِ} يا سيد الرسل لهؤلاء التائبين وغيرهم، لأن اللفظ عام، وقد ذكرنا أن العام لا يتقيد بخصوص السّبب {اعْمَلُوا} عملا صالحا تأييدا لتوبتكم هذه {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} عيانا فيرحمكم ويجازيكم عليه جزاء خيرا كثيرا {وَرَسُولُهُ} يراه باطلاع اللّه إياه عليه ويستغفر لكم وهو مجاب الدعوة عند ربه {وَالْمُؤْمِنُونَ} يرونه أيضا لما يقذفه اللّه في قلوبهم من محبة الصالحين فكأنهم يرون أعمالهم الحسنة إذ يتمثل الحسن فيهم ويدعون لكم {وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ} فيها على السّواء عنده لا فرق بين السر والجهر {فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [105] في الدّنيا على اختلاف أنواعه وأصنافه ويجازيكم على الخير بأحسن منه وعلى الشّر مثله.
ثم أشار إلى القسم الثالث فقال عزّ قوله: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} وجماعة من المسلمين المتخلفين الّذين وسموا بالنفاق بسبب تخلفهم مؤخر أمرهم في القبول وعدمه لحكم اللّه فيهم بعد وهؤلاء {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ} بعدله وقضائه {وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} بفضله ورضائه {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما وقع منهم عالم بأسباب تخلفهم ونيتهم فيه {حَكِيمٌ} [106] فيما يقضه عليهم وهم الثلاثة الآتي ذكرهم بعد.